نشرت مجلة حضارة الإسلام التي تصدر من دمشق المقال التالي وذلك في العدد الرابع آب/أيول ١٩٦٩م:
أحشفا وسوء كيلة
هذا مثل تضرب به العرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين، فمثل من يكون كذلك مثل من لا يكتفي ببيع أردأ أنواع التمر - وهو الحشف - وإنما يجمع إلى ذلك سوء الكيل أيضا. والذي أعنيه كائن وراء هذا الذي أقول، فأنت واجد إذا أنعمت النظر أن هناك صنفين من البشر تبدو في سلوكهم صلة القربى مع هذا المثل الواضح المستبين.
أما الصنف الأول: فهو أولئك الناس الذين يقعدهم جهلهم أو عجزهم عن تحمل تبعات الإسلام في صفاته ودعوته إلى استقامة العمل والوقوف عند حدود الله عز وجل.. فيُحَمِّلُون الإسلام نفسه حصيلة جهلهم أو عجزهم عن الاستقامة على الطريق التي قد تكون من الوعورة بحيث يهابها ضعاف النفوس، ويرهبها الذين يثقلهم حب الشهوات والعافية والطمع في العاجلة والغرض والقريب. فبدلا من التنقيب عن المرض الذي به قعدوا عن مسايرة ركب الإسلام والأمانة في التزام حدوده, تراهم ينعون على الإسلام أنه غير صالح للحياة، أو أنه لا يساير ركب التطور..أو..أو.. وقد يذهلك التعداد بشعبه الشيطانية وألوانه المخزية.
ولو أن هؤلاء النفر من الناس استطاعوا أن يتحرروا - ولو بعض الشيء - من عبوديتهم لغير الله جل وعز، وتزودوا بشيء من المعرفة، وأضاءت نفوسهم بقبس من نور التقوى والهداية لسلم لهم وضوح الرؤية وأبصروا الأمور على حقيقتها وأدركوا أن العلة لا تكمن في هذا الدين الذي أكمله الله وأتم به النعمة ورضيه لعباده أجمعين. وإنما تكمن في أنفسهم هم ولأيقنوا أنهم في موطن العلة التي باضت وفرَّخت في عقولهم وحولت طاقاتهم إلى نزوات وشهوات.