ملخص لبعض بحوث المؤتمر الثالث للسيرة والسنة النبوية
الرسالة الإسلامية الأولى في مواجهة الفساد العالمي
بقلم الشيخ/ محمد المجذوب
الإسلام والحضارات:
الحضارة في مفهومنا تركيب من خصائص الذات والقيم والتراث الروحي والتصور الثابت للحياة والإنسان والكون، ينتج سلوكا مميزا، ويلزم نفس الفرد والجماعة التي ينتمي إليها أسلوبا خاصا في ممارسة الحياة على هذه الأرض.
ومن هنا كان الافتراق الفاصل ببين حضارة الإسلام والحضارات الأخرى، إذ كان الطابع الأساسي لحضارتنا كونها ربانية تستوحى الأسلوب والسلوك من منطلق العقيدة المتمثلة في الإيمان بوحدانية الله، وتفرده بالسلطان المطلق على كل شيء. وبأنه خلق الكون كله وبكل ما فيه لإبراز جلاله وحكمته وقدرته، ثم ميز الجنس الإنساني- من بين مخلوقاته- برسالات قيمة اصطفى لهذا أفردا منهم يهدون بأمره إلى الحق وإلى صراط مستقيم لا يضل سالكه ولا يشقى.. فمن أسلم منهم وجهه لله والتزم معالمه العاصمة، فهو يتعامل بوحيها مع الحياة والأحياء والأشياء، وبذلك ينشئ الحضارة الربانية التي من شأنها أن تحيل الأرض- بأسرها معبدا لتمجيد الله، وجنة ينعم فيها أبناء آدم بكل الفضائل المحققة لأمنهم- وسعادتهم واطمئنانهم..
وهكذا تكون منجزات المسلم في أي من جوانب الحياة مصورة لعقيدته الحاكمة لتصرفاته فلا يأخذ ولا يدع.
ولا يبدع ولا يصنع إلا في نطاق الواجب الذي تحدده، وبهذا تكون مدنيته خيرا لا شر فيها، وعدالة لا ظلم معها، وهديا لأخيه الإنسان لا بغي فيها ولا عدوان.. وبذلك تتميز عن مدنية الآخرين الذين اختلت عقيدتهم، فاختلت نظرتهم إلى الحياة والى الأحياء، حتى باتت المنفعة العابرة هي المتحكمة في تصرفاتهم، فكانت حضارتهم في النهاية ذلك التراكم الهائل من التناقضات المنافية بمجموعها لصالح الجماعة البشرية.