ولكن هذا التوازن الفكري والتصوري الذي ضبط مسار الحضارة الإسلامية منذ انطلاقتها الأولى، قد شرع يهتز بتأثير الاحتكاك.. الذي نشأ عن حركة الفتح، التي حملت إلى الوسط الإسلامي مواريث الأمم التي صنعتها الأهواء والانحرافات؛ وقد تجلى ذلك على أشده في ظهور الفرق المتعددة المتعارضة، وتركز أثره الثقافي في أفكار المعتزلة التي أبت البقاء على طريق الوحي المصفى، وأخضعت مفهوماتها العقدية إلى توجيهات الفلسفة الإغريقية التي كادت تزلزل أساس التصور الإسلامي لولا صمود الكبار من أولي العزم بوجهها.
على أن هذا الصراع بين العقيدة الإسلامية والأفكار الغريبة، قد سجل أكبر أحداثه في عهدنا الراهن.. إذ استطاعت مناهج الغرب أن تستحوذ على فريق من أبناء العالم الإسلامي على امتداده فتقطع صلته بتراثه الروحي إلى حد بعيد.
وعن طريق هؤلاء بدأنا نواجه ألوانا جديدة من الهجوم الشرس على معاقل الإسلام..وعلى أيديهم شرعت المعايير تضطرب في تحديد مفهوم الحضارة، إذ يريدون من المسلمين بحق السيطرة على وسائل التعليم والإعلام أن يعتقدوا أن حضارة الغرب بكل ما تنطوي عليه من عناصر الفساد هي الحضارة، وكل ما عداها فخطأ لا مسوغ لبقائه ...