عن كتاب نظرية الإسلام وهديه في السياسة والدستور والقانون
وهؤلاء المؤذنون اليوم يؤذنون من مآذنهم خمس مرات في كل يوم وليلة وينادون بأعلى أصواتهم "أشهد أن لا إله إلاّ الله ".
وأنت ترى أن الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم يسمعون هذا النداء ولا يقض مضاجعهم لسماعه؛ وذلك أن الداعي لا يعرف إلامَ يدعو الناس؟ ولا الناس يتفطنون إلى ما تضمه الكلمة بين جنبيها من دعوة سامية وغاية جليلة، ولكن لو علمت الدنيا ما يشتمل عليه هذا النداء من غاية بعيدة المدى وأن المنادي ينادي بعزم وإصرار، لانقلبت الأرض غير الأرض وتنكرت الوجوه، وما يدريك كيف تستقبل الدنيا، الدنيا التي رضعت بلبان الجاهلية وترعرعت في مهدها، وهذا النداء إذا عرفت أن المنادي يقول: أن لا أمَلك لي إلاّ الله، ولا حاكم إلاّ الله، ولا أخضع لحكومة ولا أعترف بدستور، ولا أنقاد لقانون، ولا سلطان علي لمحكمة من المحاكم الدنيوية، ولا أطيع أمراً غير أمره. ولا أتقيد بشيء من العادات والتقاليد الجاهلية المتوارثة، لا أسلم شيئاً من الامتيازات الخاصة، ولا أدين لسيادة أو قداسة، ولا أستخزي لسلطة من السلطات المتكبرة في الأرض المتمردة على الحق وإنما أنا مؤمن بالله. مسلم له، كافر بالطواغيت والآلهة الكاذبة من دونه فما يدريك، هل تسمع الدنيا وأهلها هذا النداء فتسكت عليه؟ لا، لا، والله إنها تنقلب عليك عدواً وتتنكر وجوه أهلها لك ويعلنون الحرب عليك بمجرد سماع هذه الكلمة، سواء عليك أردت القتال أم لم ترد، فإنهم يحاربونك لا محالة ويترقبون لك بالمرصاد، وما أن يسمعوا المؤذن يؤذن بهذا النداء الحقيقي، إلاّ وترى الأرض تبدلت غير الأرض وتجد الناس حولك كأنهم تحولوا عقارب وثعابين تريد أن تلدغك، أو انقلبوا وحوشاً ضارية تبتغي أن تنشب مخالبها في بدنك وتفترسك افتراساً.