يشكو البحث العربي الراهن، ولاسيما الإنساني منه، مثلما تشكو الموضوعات التي يتخذها مادة له، من انحسار القاعدة والمنهج انحساراً خطيراً يتنافى مع ما تتجه إليه الإنسانية في خطها العام من دقة وموضوعية ومنطق، وهذه الصفات ترتبط بكل خطوة من خطواتها التي يعوّل عليها وحدها في تطور هذه الحضارة، دون الحضارات المزيفة الأخرى التي تواكبها، والتي تتطفل على مائدة العلم والحضارة، حتى تكاد تستأثر بها، لولا أثارة من أصالة الحقيقة التي تتسلح بها تلك الخطوات الأصيلة الأولى المعوّل عليها.
وهكذا تزخر المكتبة العربية الحديثة بركام من الكتب التي يبهرنا منظرها، وتكاد مظاهرها المدلسة، وأغلفتها المتبرجة، وحروفها المتأنقة، وأوراقها السميكة، تعشي عيوننا عن إبصار حقيقتها أو استكناه باطنها، وإدراك غثاثة ما فيها، وفقدانها لأبسط شروط الأبحاث، من منهجية، ودقة، وأمانة، وقدرة على التحليل والاستنتاج والإبداع، وقدرة على التعبير عن كل ذلك بلغة أمينة واضحة، مما يسهم إسهاماً حقيقياً في حركة التطور البشرى ودفعها إلى الأمام.