ورغم الدراسات الجادة التي قدمتها خلال الأربعين سنة الأخيرة أقلام عربية رصينة في مجال التنظير للبحث، ورغم اطراد افتتاح فروع الدراسات العليا في الجامعات والمعاهد العربية، مما يسهم في إيجاد مناخات طيبة للبحث العلمي وقواعده وأصوله، ورغم أن مادة "منهج البحث" قد عدّت إحدى المواد الأساسية التي يدرسها الطالب في معظم هذه الجامعات، إن لم أقل كلها، على الرغم من ذلك مازلنا نشهد الانحراف المنهجي في كتابة البحوث- أو ما كان يرجى لها أن تكون كذلك- يزداد اتساعا يوماً بعد يوم، مما يشعرنا باطراد الحاجة، مع اطراد حركة البحث والتأليف، إلى تدارك النقص فيما نظرته أو ترجمته أقلام المنهجيين الرواد حتى الآن في طرائق البحث وأصوله وآدابه.
ويجدر بي هنا أن أنبه- بأسف- إلى غياب المصطلح المنهجي، ليس عند الباحثين العاديين فحسب، بل حتى عند بعض من ألف في مناهج البحث، ومن المؤلم حقا أن تزين واجهات مكتباتنا التجارية مثلا نسخ من مؤلف وضع في "البحوث الأدبية، مناهجها ومصادرها"ثم نجد واضعه وقد عجز عن التمييز بين "منهج"البحث و "خطته"فخلط بين المصطلحين، وطبعيّ أن لا يستطيع بعد ذلك الخلوص إلى شيء مما يفيد الباحث، إن لم أقل إنه يشكل- باضطرابه المنهجي وفوضاه الفكرية- ضرراً حقيقيا على طلاب مادة "منهج البحث "إن وقع في أيديهم، وعلى رأسهم الطلاب الذين قام المؤلف بإلقاء فصول كتابه عليهم في إحدى جامعاتنا.
ونحمد الله على أن مثل هذا المؤلَّف قليل في مكتبة منهج البحث العربية، وأظن من المفيد أن أعرّف تعريفاً سريعاً بأبرز كتبها، وأكثرها عمقاً وإحاطة ومنهجية، قبل أن أنطلق إلى بقية حديثي [١] وإن كنت سأقتصر في تعريفي على الكتب التي وصلت إلى يدي، غير غافل عن وجود عدة من الكتب في هذا الباب قد تحتل مكانة هامة فيه، مما لم أتمكن من الوصول إليه في فترة كتابتي لهذا البحث. وهذه الكتب هي تبعاً لدرجة أهميتها عند الباحث المبتدئ: