الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فمدرسة النحو الأندلسية ذات نشاط نحوي متميز، فلقد تمثَّل علماؤها تراث أئمة النحو السابقين من بصريين وكوفيين وبغداديين، ومنذ أوائل القرن السادس الهجري وحتى منتصف القرن الثامن تقريبا، نشطت الحركة النحوية بشكل لافت، فظهر الاجتهاد في الفروع والكثرة الهائلة في وفرة الاستنباط، والروعة الفائقة في حسن التعليل والاحتجاج.
وبالجملة فقد استطاع نحاة الأندلس- في الفترة الزمنية السابقة- أن يختطوا لأنفسهم طريقا يبعد إلى حدٍّ مَّا عن التأثير المشرقي، فعوَّلوا على أنفسهم بعد أن برز فيهم كوكبة من النحاة الكبار، مازالت آثارهم إلى يومنا هذا تشكل ثمرات يانعة في مجال الدراسات النحوية.
وبقليل من تفصيل هذا الإجمال يمكن القول: إن معرفة الأندلسيين للنحو في المشرق ترجع إلى أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث:-
فقد تناهى إلى مسمعهم ما كان يدور في مدينتي البصرة والكوفة من توفُّر طبقة من العلماء على الدراسات النحوية واللغوية ... الأمر الذي أغرى بعضهم أَن يشد رحاله إلى المشرق بحثا عن مكنون هذه الدراسة وأسرارها.
وكان أول مرتحل إلى المشرق هو جودي بن عثمان المتوفى سنة ١٩٨ هـ[١] الذي اتصل بزعيم المدرسة الكوفية الكسائي المتوفى سنة ١٨٩ هـ وبتلميذه الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هـ.
وبعد أن عرف الكثير عن هذه الدراسة قفل راجعا إلى الأندلس، ليكون بذلك أَول عالم أندلسي يحيط بالنحو الكوفي، ويؤلف فيه كتاباً وسمه بـ ((منبه الحجارة)) [٢] .