وكان أول من اهتم بالنحو البصري هو محمد بن موسى المعروف بالأفشنيق المتوفى سنة ٣٠٧ هـ[٣] الذي جعل وجهته مصر ليلتقي بعالمها الفذّ أبي جعفر الدينوري المتوفى سنة ٢٨٢ هـ[٤] ليأخذ عنه كتاب سببويه وليعود إلى موطنه ((قرطبة)) مقرئا ومدرسا إياه لتلاميذه الذين التفوا حول حلقته مبهورين بهذا المؤلف العظيم، ولتقوم بعد ذلك حركة نحوية نشطة عكفت على مدارسة هذا الكتاب وغيره من كتب النحويين البصريين والكوفيين.
وهكذا فقد بدأ علم النحو في الأندلس ((كما بدأ في المشرق عبارة عن قطعة مختارة فيها لفظ غريب يشرح، ومشكلة نحوية توضح على النحو الذي نراه في ((أمالي القالي)) و ((الكامل للمبرد)) ، ثم ألفوا نحواً في مسائل جزئيه كما فعل أبو علي القالي نفسه في ((فعلت وأفعلت)) و ((المقصور والممدود)) وكما فعل ابن القوطيَّة في كتابه ((الأفعال)) فلما انتقل إلى الأندلس كتابا الكسائي وسيبويه ألف الأندلسيون في النحو من حيث هو كلٌّ يشمل. جميع الأبواب)) ( [٥] ) .
ويعد صاحب المحكم ابن سيدة المتوفى سنة ٤٥٨ هـ أول أندلسي يشتغل بالنحو البغدادي على النحو الذي اشتغل به العلماء قبله بالنحو البصري والكوفي، وعلى الرغم من وصول النحو الكوفي والبغدادي إلى الأندلس فلقد كان نحو المدرسة البصرية هو الرائد الأول للأندلسيين، فقد اهتموا- في الأعم الأغلب- بمنهج السماع مبتعدين عن القياس ما أمكنهم ذلك ( [٦] ) ، وسنرى تأثير هذا المنهج على ابن هشام الخضراوي نفسه حين يأتي الحديث عنه بعد قليل.
وبإطلالة القرن السادس الهجري نجد أن نحاة الأندلس قد اعتمدوا على أنفسهم بشكل يثير الإعجاب وقد برز في هذا القرن وما بعده علماء أفذاذ دوت شهرتهم في الآفاق أمثال: