المؤمنون كلهم مهما اختلفت أنسابهم وتباعدت أوطانهم يعتبرون بمنزلة الأشقاء، بل المؤمن البعيد النسب أحق وأولى بأخيه المؤمن من أقرب قريب إليه إذا لم يكن ذلك القريب مؤمنا، ولكن الله تعالى أنعم على عباده بتوثيق رابطة القرابة حيث جعلهم يتحابون ويعطف بعضهم على بعض، ولقد اعتنت نصوص الشريعة من كتاب وسنة بالأقارب والحث على صلتهم وتقديمهم في ذلك على من سواهم، فقد قرن الله تعالى حقهم بحقه فقال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ، وذم الله المشركين بعد مراقبتهم احترام قرابتهم من المؤمنين فقال:{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً} والآل: القرابة كما فسرها ابن عباس، وفُسرت بالعهد أيضا، وقرن الله تعالى بين الإفساد في الأرض وتقطيع الأرحام ولعن من يفعل ذلك فقال:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} , قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أي عن الجهاد ونكلتم عنه {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام، ولهذا قال الله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما وعن قطع الأرحام خصوصا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال.