كانت المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى، منها انطلقت رسالته تحمل إلى العالم أروع حضارة عرفها الإنسان أو سيعرفها، وقد كان العلم في مقدمة الأسس التي شيد عليها صرح هذه الحضارة الشامخ، وكلنا يعلم كم حض الإسلام على طلب العلم، وكم رفع من شأن العلماء، وكم أقبل المسلمون على الدرس والتحصيل حتى ملؤوا العالم الإسلامي من قرطبة إلى القاهرة، ومن دمشق إلى بغداد.. إلى بخارى وسمرقند كتبا ومكتبات، بحيث عاش العالم كله تحت سيطرة المسلمين الفكرية قرابة خمسة قرون!!
ولولا الحروب الداخلية، والخصومات المحلية، التي أوهت العالم الإسلامي، وفتتت قواه، وعاقت مسيرته العلمية الحقيقية، لبقي لواء زعامة المعرفة معقودا للمسلمين حتى يوم الناس هذا.. وحسبنا أن نعلم أن جامعات الغرب كانت إلى عهد ليس ببعيد تعتمد على المؤلفات التي جادت بها قرائح المسلمين، وأضاءت من آفاق المكتبات الإسلامية، فكتاب (القانون في الطب) لابن سينا لبث من القرن الثاني عشر حتى القرن السابع عشر الكتاب الأول الذي تعول عليه جامعات فرنسا وإيطاليا كلها في دراسة الطب، بل كانت المحاضرات تلقى حوله حتى بداية القرن التاسع عشر!! وقد أتى على باريز حين من الزمن كان كتاب (الحاوي) للرازي أحد تسعة مراجع تتألف منها مكتبة الهيئة الطبية فيها!!