روينا بأسانيد عن أبي الفتح شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي: أن الغضبان لما كان راجعا من خراسان نزل برملة كرمان في شدة الصيف والقيظ فضرب قبته وحط رواحله، فبينما هو كذلك إذا بأعرابي قد أقبل على بعير قاصدا نحوه، وقد اشتد الحر وحميت الشمس وقت الظهيرة وقد ظمئ ظمأ شديدا، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال الغضبان: هذه سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم وردها فريضة فرضها النبي صلى الله عليه وسلم قد فاز قائلها وقد خسر تاركها.
قال الأعرابي: أصلحك الله إن الرمضاء وشدة الحر قد أصابتني وإن الظمأ قد قتلني فتيممت قبتك أرجو بركتها. فقال الغضبان: هلا تيممت قبة أكبر منها وأعظم؟ قال: أيتهن تعني؟ قال: قبة الأمير ابن الأشعث. قال: تلك لا يوصل إليها. قال: فهذه أمنع منها.. فقال الأعرابي: ما اسمك يا عبد الله. قال: آخذ. قال: وما تعطي. قال: أكره أن يكون لي اسمان. قال: بالله من أين أنت. قال: من الأرض. قال: وأين تريد؟ قال: أمشي في مناكبها. فقال الأعرابي وهو يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر: أتقرض الشعر؟ قال: إنما تقرض الفأرة. قال: أفتسجع؟ قال: إنما تسجع الحمامة. فقال: يا هذا ائذن لي أدخل قبتك قال: خلفك أوسع لك. قال: قد أحرقتني الشمس. قال: مالي عليها من سلطان. فقال: إني لا أريد طعامك ولا شرابك. قال: لا تتعرض إلى ما لا تصل إليه ولو تلفت روحك. فقال الأعرابي: سبحان الله. قال من قبل أن تطلع أضراسك. قال الأعرابي: بالله من أنت؟ قال: أنا الغضبان بن القبعثرى. قال اسمان منكران إني لأظنك حروريا. قال: اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير. قال: إني لأظن عنصرك فاسدا. قال: ما أقدرني على إصلاحه.. فولى الأعرابي وهو يقول: