الحمد لله الذي خلق الإنسان، وفضله على غيره من الأكوان بما ركّب فيه من قوى أعلاها العقل وأغلاها الإدراك والفهم، والمعرفة من أهم خصائص الإنسان {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} يشير إلى ما أودع الله سبحانه في آدم من قوى الإدراك والاستنباط والقياس، وتداعي المعاني وتوالدها. ومن هنا كانت القدرة على إنماء قاموسه اللغوي، وإضافة جديد إليه كل يوم، إذ كلما جدَّ جديد في الحياة من المخترعات والمصنوعات التي تفتق عنها عقل الإنسان، وضع لهذا الجديد اسما يعرف به، ويستدل منه عليه، ففي عقل الإنسان تتولد المدركات، وتتشكل الصور، وتتداعى المعاني، ومن عقل الإنسان تخرج الأسماء لكل مدرك، ولكل متصور في عالم الواقع أو الخيال.
يقول الله تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . وفيه بيان لموقف الملائكة في هذا الامتحان، وعجزهم عن وضع أسماء لتلك المخلوقات التي عرضها الله تعالى عليهم، لأنهم ليس لهم على ذاتي، عن طريق الاستنباط والقياس، كما الشأن في الإنسان، وإنما علمهم محصور فيما يعلمهم الله فيه، لا يزيدون فيه أو ينقصون، فلا ابتكار ولا اختراع، على خلاف الإنسان الذي يبتكر ويخترع، ويجمع بين الأشياء ويفرقها، ويولد منها ويختصر.