مع ابن القيم في كتابه ((حادي الأرواح إلى بلاد الأرواح))
للدكتور عبد الرحمن بله علي
الأستاذ بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية
ابن قيم الجوزية من أعلام الدعوة السلفية، وهى الدعوة التي اختط منهجها الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال:"إنما أنا متبع ولست بمبتدع"؛ فهي تدعو الناس إلى أن يأخذوا دينهم من نبعه الصافي: كتاب الله وسنة رسوله وصلى الله عليه وسلم، وتحارب بحزم البدع والخرافات وأنواع الضلالات التي ألمت بدين الله المتين؛ فحجبت جماله وجلاله؛ فنهض جماعة ممن نوَّر الله بصائرهم وأحيى ضمائرهم يدعون إلى الله على بصيرة، ويردون عن دينه القويم كل حدث مبتدع، ويعملون في صبر وحكمة.. على تحكيم شريعة الله في واقع المسلمين فالحكم والتشريع لله وحده..
نراهم يركزون على العقيدة بناءً وإصلاحاً؛ لأنها حين تصلح فكل إصلاح دونها يسير، وكل خير يأتي بعدها تباعاً؛ فالحاكم إذا صلحت عَقيدته حكم بما أنزل الله تعالى، والقاضي عَدَل في حكمه، والعامل أخلص في عمله، والجندي كان للدين والوطن ذراعاً واقيا، والمرأة قامت بواجبات الأسرة نحوها، والتاجر نصح في بيعه وشرائه، والطالب اجتهد في تحصيل العلم، والمعلم نشّأ طلابه على الدين والخلق المتين وهكذا دواليك.. فالعقيدة هي (الزر) الذي إذا ضغط عليه أضاءت جميع الثريات.
عاش ابن القيم بين عامي: ٦٩١-٧٥١هـ، وهي الفترة التي شهدت تفشي الجهل وشيوع الغفلة، وظهور البدع، وبُعدَ الحكام عن الدين، وهجوم التتار على المسلمين.. فكان جنود الدعوة السلفية هم كتيبة الصدام التي نصبت وجوهها؛ حملت سلاحها.. خرجت تجاهد في سبيل الله مرة بالسنان ومرات بالحجة والبرهان.