وقد احتل ابن القيم مكانه في الصفوف الأمامية؛ ولا غرو في ذلك فقد عاصر قائد مسيرتها وحادي ركبها العلامة ابن تيمية (٦٦١- ٧٢٨هـ) فتتلمذ عليه ونشأ بين عينيه؛ إلماما بأنواع المعارف، وتمسكاً بمكارم الأخلاق، وإسهاما في مجال المؤلفات؛ فقد ألف من الكتب والرسائل ما قلّ له النظير وكثر إليه المشير، ويمتاز في كتاباته بعمق المعاني وحسن الديباجة وإشراق العبارة ووضوح الدلالة؛ فتأتي كتابته كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ومن كتبه التي رزقت القبول والشهرة كتاب "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح".
وعنوانه يدل على فحواه؛ فهو يتحدث عن الجنة ويصفها وصفا يجعل القارئ كمن رآها؛ فهو فيها منعم مما يحرك قلبه، ويحدو روحه، ويشعل شوقه عملاً لها وطمعاً فيها، وسعياً حثيثاً إليها؛ فهي عروس مجلوة، ولكن دونها خرط القتاد، وحولها شم الجبال، لا يدفع مهرها ويحظى بقربها إلا فتى بعيدة همته حازمة إرادته، قد ألف السهر وهجر الشبع وأدمن إطالة الفكر.. عرف ربه فعظم في قلبه وصغر ما دونه في عينه؛ فالتزم طاعته فعلاً للمأمورات، واجتناباً للمنهيات، وتمسكاً بسُنة نبيه الكريم؛ دفاعا عنها ودعوة إليها.
فالكتاب في تجليته للجنة وحديثه المشوق عنها يثير العزائم ويبعث الهمم العليات إلى العيش الهنيء في تلك الغرفات، هو كما ذكر المؤلف في مقدمته: