أما الجملة الأولى من كلام (لوبون) فهي مسلم بها لأن الإيمان فطري وهو الذي أطلق عليه كلمة (لا شعوري) وهذا الإيمان قد يُدّعم بالأدلة والبراهين فيصبح قوياً ثابتاً لا يتزعزع، وقد يكتفي صاحبه بمجرد الاستسلام والتصديق. والذين لا تظهر ثمرات الإيمان في أعمالهم كالمخرّفين والمتنكبين عن الجادة هؤلاء تبرز علامات الإيمان الكامن في نفوسهم عند الشدائد والأزمات، حين يفقدون كل حيلة يمكن الخلاص بها مما هم فيه من المآزق، فيرجعون حينئذ إلى مصدر القوة العليا المهيمنة والمسيطرة على الكون كله، والتي بيدها الضرر والنفع، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاه} - {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
غير أن (لوبون) لم يصب في سائر عبارته وذلك في نقطتين:
الأولى: قوله: إن العقيدة تكره الإنسان على التصديق بقضية من القضايا من غير دليل..
وهذا كلام باطل لا أصل له من الصحة.. ذلك أن العقيدة كثيراً ما تقوم بالبرهان والحجة، ولم يكن هناك في العقيدة السليمة ما هو إيمان أعمى لا يعرف الإنسان ماهيته ولا حقيقته، كما أن العقيدة الصحيحة لا تتعارض مع العلم والدليل. ولذلك يجمع علماء الإسلام على النظر والاستدلال في إثبات العقيدة بطريقة التفكر والتأمل في الكون ودقته، ليُوصل بذلك إلى الإيمان بخالق الكون.. وإن كان الخلاف بين العلماء قائماً على الاستدلال بالطريقة المنطقية والفلسفية ذات المقدمات والنتائج، فيمنعها بعضهم مخالفة الوقوع في الريب والشك، وعدم القدرة على الوصول إلى الحق بطرق سليمة. . .