تابع لكتاب السير من التهذيب للإمام البغوي
فصل
في الأمان
روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ".
يجوز عقد الأمان للكفار وهو قسمان خاص وعام.
فالأمان العام هو أن يعقد الإمام لأهل الشرك بأسرهم في جميع الأقاليم فلا يجوز ذلك إلا للإمام الأعظم إذا رأى المصلحة فيه، ولو بعث الإمام خليفة على إقليم مثل خراسان والشام ونحو ذلك فيجوز له عقد الأمان لمن يليه من الكفار من أهل ذلك الإقليم وأهل تلك الناحية دون جميعهم وكذلك عقد الذمة.
والأمان الخاص هو أن يؤمن شخصاً أو شخصين أو عشرة فيصح ذلك من كل مسلم مكلف رجلاً كان أو امرأة حراً أو عبدا سواء كان العبد مأذوناً في القتال أو لم يكن.
روي عن أم هاني قالت: أجرت رجلين من أحمائي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أمنا من أمنت".
وقال أبو حنيفة: "إن كان العبد مأذوناً في القتال يصح أمانه وإلا فلا.
والحديث حجة عليه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويسعى بذمتهم أدناهم" ولا يصح أمان الصبي والمجنون، لأنه لا حكم لقولهما وإن كان الصبي مراهقاً.
ولا يصح أمان الكافر؛ لأنه متهم فيه إذ ليس من أهل النظر للمسلمين.
ولو أمن عبد مسلم وسيده كافر يجوز. ويجوز أمان المحجور عليه بالسلفة.
وإن كان المسلم أسيراً في أيدي الكفار هل يصح أمانه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح لأنه مسلم مكلف.
والثاني: وهو الأصح لا يصح أمانه في حق المسلمين.
وبه قال أبو حنيفة، لأنه مقهور في أيديهم فلا يكون أمانه على النظر للمسلمين.
ولأن قضية الأمان أن يكون المؤمن آمناً والأسير في أيدي الكفار لا يكون آمناً.
فعلى هذا هل يكون ذلك أماناً بينه وبينهم حتى لا يجوز له أن يخونهم؟ فيه وجهان:
أحدهما: بلى كما لو دخل عليهم تاجراً مستأمناً.