يُعد عبد القاهر الجرجاني [١] المتوفى سنة ٤٧١هـ حد العلماء القلائل الذين فهموا الإعجاز القرآني فهما خاصا، وتناولوا إبراز وجوهه تناولا دقيقا. استنادا إلى بلاغته، ودقة نظمه، وتآليف كلامه.. لذلك فإن بحوثه حول هذا الإعجاز، وإثارة القضايا المنطقية، ومناقشتها مناقشة تحليلية استدلالية لتبيين تفاوت النتاج الأدبي للعرب، بين الغث والسمين، بخلاف ما عليه القرآن الكريم، الذي يخلو من كل ما يعيبه.
ألفّ الجرجاني في إعجاز القرآن مؤلفَيْن.. كتابا ورسالة..
أما الكتاب فهو "دلائل الإعجاز [٢] " وأما الرسالة فقد سماها "الرسالة الشافية"ختم بها بحثه الأصيل.. العميق.
ومن الطبيعي أن يكون تأليف هذه الرسالة في مرحلة تالية. يدفعنا إلى القول بهذا الرأي عدة أمور:
أولها: التسلسل الفكري والموضوعي للبحث في إعجاز القرآن كما وضح من المؤلَّفَيْن.
وثانيها: أنه في مصنفه دلائل الإعجاز أبرز وجوه الإعجاز القرآني فقط.
ثم كان عليه أن يؤكد وقوع الإعجاز ذاته، وإثباته بالبراهين والأدلة، فألف هذه الرسالة العلمية، لتكون شافية كافية بتوضيح ما قصد إليه، لذلك اشتق اسمها من مضمونها ومقصودها، وجاءت الرسالة مكملة لما بدأه في كتابه [٣] .
وثالثها: ما تمتاز به هذه الرسالة من التركيز والتكثيف لبعض الموضوعات التي طرقها وتحدث عنها مسبقا في كتابه، فهي عمل علمي متمم "لدلائل الإعجاز" حتى ليمكن القول: أن الرسالة الشافية وحدها لا تعكس مفهومه للإعجاز القرآني مباشرة إلاّ بعد الإطلاع على كتابه.. وإن الكتاب لا يمكن الاستغناء به - في فهم الإعجاز القرآني - عن الرسالة، فكلاهما عمل علمي يكمّل بعضه بعضا.