كاد غبار المعركة يحجب شمس الضحى، فهي ترسل أشعتها مصبوغة بلون هذا التراب المتطاير من حوافر الخيول وأخفاف الإبل وأقدام المتحاربين من المشاة، ولو أتيح لك أن تطل من أعلى أحد على ذلك الميدان الرهيب لرأيت ما يملؤك رعباً، ثلاثة آلاف من شباب قريش لا تكاد الدنيا كلها تتسع لغرورهم واعتدادهم واندفاعهم، يحدوهم عطش الثأر لكرامة قد حطمتها في بدر سيوف الفئة المؤمنة من المستضعفين الذين يقودهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أقسموا بهبل وباللات والعزى ليغسلُنّ عار الهزيمة بدماء هؤلاء المسلمين الذين غرهم دينهم، ثم لا يعودون إلى مكة إلا بعد أن يردوا اعتبارها، فيعرف كل قاص ودان من عرب الجزيرة أن جبروت مكة ما زال في عنفوانه، إذا هو نطامن بعض لحظات حتى يخدع به الطامعون، فما يلبث أن يرجع أشد ما يكون قوة وكبرياء.
ثلاثة آلاف فارس لا تكاد تجد فيهم راجلاً، إلا هؤلاء النسوة الفرشيات، تقودهم هند زوج أبي سفيان خلال صفوف المقاتلين من الوثنيين يشددن من أعصابهم، ويوقدن حميتهم، ليشفوا صدورهن الموتورة بما ثكلت من أبناء وأخوة وآباء في معركة بدر، فكأنّ أناشيدهم ألغام تتفجر في الصدور، فتحيلها براكين من اللظى لا تخمد حتى تلتهم كل شيء!.
وهناك على الجانب المقابل من سفح أحد ترتفع راية الرسول، وقد انتشر حولها المئات السبع من جنوده، في نظام لم تسيء إليه تحركات المعركة، على الرغم من النشاط العجيب الذي يغتلي في جبهة المسلمين.