وكان ظاهراً مدى التفاوت العددي بين الكثرة الكافرة والقلة المؤمنة، ولكن الظاهر أيضاً فرق ما بين الدوافع العاملة هنا وهناك، فما كان المسلمون ليقاتلوا بالسيوف التي في أيديهم وحدها، وإنما كانوا يقاتلون بقوة العقيدة التي في صدورهم، فهم - على قلة عددهم - أشبه بالذرة لا يكاد يحس لها وجود، ولكنها تنطوي من الطاقة على ما يسير الجبال، وينسف المدن، ويصنع المعجزات!.
ولقد خرج الرسول من المدينة بألف محارب، حتى إذا كان في الطريق إلى أحد بصر بكتيبة من اليهود قد أقبلت للانضمام إلى جيشه نصرة لحليفها ابن أبيّ رأس المنافقين في المدينة، ولكن الرسول لم يرض نصرتها وقال:"لا يستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك ما لم يسلموا "..، وعادت كتيبة اليهود، ثم انسحب خلفها منافقوا المدينة بقيادة شيخهم ابن أبيّ هذا، محتجاً بالغضب لكرامة حلفائه!.. وما كان انسحابه في الواقع إلا إضعافاً لعزيمة المسلمين، وإيهاناً لقوتهم..، وهكذا تقلص عدد المحاربين مع الرسول إلى سبعمائة مقاتل..، وكان ذلك باعث تخوف على مصير المسلمين، أن يلقوا بقوتهم القليلة هذه تلك الكثرة الكاثرة من صناديد الوثنية وجباريها!،.. ولكن المؤمنين مع رسول الله ما كانوا ليرتابوا في حكمة قائدهم المعصوم، فهم موقنون أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان ليرفض نصرة اليهود, ويخسر مساعدة المنافقين معهم، إلا إيثاراً لتطهير صفوفهم من عناصر الهزيمة والخيانة..، إنه خائض بالمؤمنين معركة الإسلام ضد الوثنية، وما وراء الوثنية من الظلم والطغيان، والعدوان، وما في الوثنية من حقد على الإنسانية وكفر بالحرية، وتأليب لقوى الشر، فهي إذن حرب الفكرة والعقيدة، فما ينبغي أن يكون في جنودها من لا يفنى وجوده اختياراً في هذه الفكرة وتلك العقيدة..