للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهاهي ذي حكمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تتجلى أبرز من الشمس منذ مطلع المعركة، إنّ هؤلاء المئات السبع ليقتحمون صفوف الآلاف الثلاثة بمثل عصف الإعصار المندفع يمر بالقصب فيقتلعه ويحطمه..، وكما تتماسك أجزاء الإعصار فتكون قوة الهباءة منه هي قوة الإعصار كله..، هكذا الفرد المؤمن من هذه القلة يضرب الضربة فيحس أنه يضربها بسبعمائة سيف، وسبعمائة ذراع، وسبعمائة قلب..، وبهذا وذاك تستحيل الكثرة قلة تافهة، وتتحول القلة كثرة لا نهاية لقوتها..

..وسرعان ما سقط لواء المشركين فوق أشلاء عشرة من حماته بني عبد الدار..، فإذا جنود الكفر ينكشفون عن مواقعهم تحت ضغط الدفقة المؤمنة، وقد ملؤوا الساحة بجثث العشرات من زهرة شبابهم..، ولم يفتهم أن ينظروا - وهم في غمرة الهزيمة - إلى إلهِهِم الموقر يهوي على أم رأسه، وهو الذي حملوه من مكة على أضخم بعير، ليكون لهم عوناً ومسعفاً فإذا هم يغادرونه أحوج ما يكون إلى المعين المسعف..!

وضع الرسول-صلى الله عليه وسلم- بنفسه خطة المعركة، وأول ما فعله أن وزّع خمسين من مهرة الرماة وراء جيشه في أعلى الشعب من أحد، وألَحّ عليهم بملازمة أماكنهم قائلاً: "احموا ظهورنا.. إن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا.. وإن رأيتمونا نغنم فلا تشاركوننا.."