كانت سنة عشر ومائة من أيمن السنين التي عرفتها الأندلس, فيها تولى الإمارة على هذا الفردوس الكريم, القائد التابعي العظيم عبد الرحمن الغافقي, الذي جعل نصب عينيه تدويخ فرنسة, واجتيازها إلى إيطالية فألمانية فالقسطنطينية, كيما يدخل هذه البلاد جميعا في دين تستضيء بنوره وتهتدي بهداه..
ولبث الأمير المحنّك سنتين بعد ولايته يعد العدة للغاية الكبرى التي وهبها حياته, وأول ما اهتم به من الإعداد لها هو تقوية البلاد داخليا, إذ كيف يستطيع بلد تعوزه الوحدة والتلاحم, والالتفاف حول قيادته, والاطمئنان إليها, أن ينهض بمثل المهمة الجبارة التي وقف الغافقي حياته عليها؟؟! , لقد طاف بنفسه أرجاء البلاد, وتعرف مواطن الضعف في مجتمعه فقواها, وتقرأ مكامن الفساد في كيان دولته فاستأصلها, فكم من وال حاد عن الجادة, وتنكب طريق الواجب, قد عزله واستبدال به آخر يتقى الله في إمارته, ويعتقد أنها خدمة لهذا الإسلام, وغناء في سبيل هذه الأمة المسلمة؟!
وتسامعت الأقطار الإسلامية أخبار هذا الأمير, وأدركت ما ينويه من حمل (الهداية المسلحة) إلى البقية الباقية من العالم المعروف, إذ ذاك التي كانت تحتويه ظلمات مطبقة من الجهالة والتيه والضلال, وانثال عليه هواة الموت في سبيل الله من جزيرة العرب والشام والمغرب, حتى اجتمع له أحمس جيش دفعت به الأندلس في بلاد الغال (فرنسة) عبر تاريخها الإسلامي كله.