شاعرية البحتري
لفضيلة الدكتور بابكر البدوي دشين
كلية الحديث الشريف بالجامعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشراف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد بن عبد الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فقد غلب الوصف بالشاعرية على أبي عبادة البحتري حتى كاد يقصر عليه دون غيره من الشعراء، ومما يدل على هذا ما روى عن أبي الطيب المتنبي، أنه قال: "أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحتري".
وعسى القارئ الكريم أن يذكر حديث النحويين عن "أل"في كلمة الشاعر هنا وأمثالها، فإنها تدل عندهم على استغراق خصائص الجنس، وهذا أمر فوق الوصف بالشاعرية كما هو واضح.
هذا ونقترح أن أهم ما تتجلَّى فيه شاعرية البحتري شيئان: أنغامه المطربة، وانفعالاته الخافقة.
أما ناحية الإطراب في شعره فقد تنبه لها القدماء، وفي مقدمتهم معاصروه الذين كانوا يسمعون إنشاده، ومن هؤلاء الفتح بن خاقان وزير المتوكل، كما يفهم من هذا الخبر الذي رواه الصولي قال [١] : "وحدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال: إني لعند الفتح إذ دخل البحتري فأنشده قصيدته:
وأُليفه والشيب تَزْجِيَةُ الهوى وخُفُوفُه شرخ الشباب أخو الصِّبا
فلما بلغ قوله:
يقري البدرو بها ونحن ضيوفُهً.
ملك بعالية العراق قبابه
فلما بلغ إلى قوله:
فضل إلى جدوى يديك تضيفُهُ
فهلمَّ وعدك في الإمام فإنه
رأيت الفتح قد اهتزَّ وطرب لذلك.... فأعاد البحتري الأبيات الخ".
كيف لا يطرب الفتح ويهتز -وهو الأديب البليغ- من سماع هذه القصيدة الفائيِّة وفيها يقول البحتري:
لجب تسير مع الجنوب زحوفُهُ
فإذا تحمَّل من تهامة بارق
ذعر الأجادل في السماء حفيفُهُ
صخب العشيِّ إذا تصوَّب مزنه
عهد اللوى أيام نرتبع اللوى ونصيغُهُ
فسقى اللَّوى لا بل سقى