لقد أحدث الإسلام أخطر انقلاب في تاريخ البشرية الطويل، فمنذ انقطاع الوحي برفع عيسى عليه السلام والبشرية تتعثر في خطواتها، وتنحدر بسرعة هائلة إلى حضيض مخيف، وهوة ساحقة.
ووقف المنصفون وذوو البصائر من هذا التردي وقفة الحذر المترقب، وقفوا يرقبون البشرية وهي تحفر قبرها بيدها، وصاح بعضهم صيحات الإنذار على هؤلاء الغافلين ينتبهون إلى المصير المشئوم الذي ينتظرهم، ولكن هيهات.
ولف الدنيا ظلام حالك، وخيم عليها سكون رهيب، وضاعت كل صيحات الإنذار بين ضجيج الشهوات المسيطرة، وعربدة الفساد المتسلط، فلا تكاد تجد داعياً ولا تكاد ترى مصغياً. والمنصفون من القوم يمسكون رؤوسهم بأيديهم، ويعصرون قلوبهم بسواعدهم خوفاً من وقوع الكارثة كنتيجة لها التردي.
وبينما هم يرقبون الكارثة بزغ نور بدد الظلام، وفرق السكون، وأهدى إلى الدنيا أعظم منحة في عمرها المديد، وتبددت علامات التشاؤم أمام هذا النور الغامر، وحلت محلها بشارات الأمل المنشود.
وانساب نور النبوة يسري في جزيرة العرب كالماء يتسلل إلى عروق تلك الشجرة اليابسة فيعيد إليها نضرتها وبهجتها، ويدعو القائظين إلى تفيؤ ظلها الظليل.
وأعلنت الرسالة الجديدة ثورة عارمة على الوثنية ومعتنقيها، وحررت رقاب الناس من الخضوع لأصنام صنعوها بأيديهم، ليذعنوا بها بالعبودية، ويحيطوها بالتقديس والإجلال ووصلت أصداء تلك الثورة إلى كل قلب, ودخلت كل بيت, وعاشت في كل نفس، وبدأ الناس يفكرون في آلهتهم ويترقبون ماذا سيكون مصيرها؟