للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما فتح الله الإسكندرية، وهرب الروم في البر والبحر، أخذ عمرو يتعقب الهاربين في البر ليقضي عليهم خشية أن يتجمعوا ويكيدوا للمسلمين، وكان قد ترك بالإسكندرية حامية ترابط فيها لئلا ينقض الروم، ولكن تلك الحامية لم تكن كافية للدفاع عن المدينة، حيث كان تعدادها ألف رجل [٣٦] ، ولهذا لما أحس الروم بمطاردة عمرو للهاربين في البر، عاد الهاربون في البحر إلى الإسكندرية، وقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من استطاع الهرب [٣٧] .

وعلم عمرو بما حدث للمسلمين على يد الروم، فعاد على الفور، واقتحم المدينة، وفتحها بالسيف وكتب إلى عمر بن الخطاب، أما بعد، فإن الله فتح علينا الإسكندرية عنوة قسراً بغير عهد ولا عقد [٣٨] .

وبعث برسالة أخرى يصف فيها الإسكندرية، فقال: أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية وأربعمائة ملهى للملوك [٣٩] .

ومن هذا الوصف المختصر لوضع الإسكندرية نقف على مدى ما كان فيها من التقدم العمراني والحضاري، وما كانت تزخر به من ألوان الفنون والمعارف، وما كانت تمتاز به من الوضع الاقتصادي المزدهر.

لقد كان في الإسكندرية سوى ما جاء في خطاب عمرو اثنا عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر ورحل منها قبل فتحها سبعون ألف يهودي، وكان يسكنها من الروم مائتا ألف رجل، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، استعملها الروم في الهرب بحراً، فحملوا فيها ثلاثين ألف شخص مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل، وأحصى من بقى فيها بعد فرار الفارين ممن ضربت عليهم الجزية فبلغوا ستمائة ألف رجل سوى النساء والصبيان [٤٠] .

وأراد عمرو أن يتخذ الإسكندرية مقراً للحكم، وقال: "مساكن قد كفيناها".