الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم للأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن التضامن الإسلامي هو المبادرة النابعة من أصول العقيدة الإسلامية، لإرساء قواعد الحياة على أسس متينة في عالم تتنازعه المطامع، وتشن فيه المبادئ الملحدة حرباً شرسة ضد التراث الحضاري الإسلامي بقيمه النبيلة، ولقد كان التضامن هو السر فيما حققت الأمة الإسلامية من مجد وسؤدد، يوم كانت متمسكة بدينها حق التمسك، آخذة بتعاليمه حق الأَخذ.
وتكمن إحدى معجزات الإسلام الكبرى في قوة التضامن، عندما وحد بين قلوب القبائل المتنافرة، ثم بين الأقطار والشعوب المتباينة، وأصبح التضامن من أهم سمات الحياة الإسلامية وليست رابطة الأرض أو مكان الإقامة أو الولادة كما هو الحال في الفكر الغربي، لأن مفهوم الأمة في الإسلام يقوم على الاشتراك في وجهة عامة، فقد أشار القرآن الكريم إلى المسلمين على أنهم أمة واحدة، فلم يفرق بين شعب وشعب، ولم يخص بلداً أو قبيلة أو فئة بالأمر بالوحدة، بل كان خطابه عاماً شاملاً يضم كل من آمن بالرسالة المحمدية وتبع هديها وطريقها. قال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[١] وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[٢] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[٣] وقال عز من قائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}[٤]