للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسائل لم يحملها البريد

بقلم الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

أمّاه

لقد تركت الجامعة, وتركت الدراسة في كلية الحقوق, وأصبحت فدائيا, نعم ... فدائيا! أقول هذا وأنا أعلم أي نبأ أسوقه إليك, وأية مصيبة ستحل بك, ولكن ماذا أصنع؟! ماذا أصنع يا أماه؟! علي أن أقوم بعمليات الفدائية, وأخشى أن تقضي عليك المفاجأة المروعة, حين تجدينني بين يديك جثة خرساء, جثة غارقة في التراب والدماء, وظنك أني أسرح وأمرح في أفناء الجامعة, وأفياء الحدائق.

حاولت في بداية هذا الأمر أن أكتب إليك ما أنا عازم عليه, وقضيتها ليلة تائهة النجوم, ضائعة القمر, أثبت وأمحو, وأمحو وأثبت, كم مرة كتبت إليك هذا النبأ ثم انثنيت, وكم مرة وضعت الرسالة في الغلاف ثم مزقتها, يا لله لتلك الليلة! لقد تنفس صباحها, ولكن الرأي عندي لم يتنفس.

أما اليوم فلا تردد ولا كتمان, ولا حيرة ولا تخوف, لقد برح الخفاء, وآن له أن يبرح, تدريباتي العسكرية قاربت النهاية, وعملياتي الفدائية في الأرض المغصوبة أوشكت أن تبدأ, والعام الدراسي يطوى أخريات لياليه وأيامه, وأبناء بلدتي الذين كنت زميلا لهم في الجامعة يحزمون أمتعتهم, ويطوفون بالأسواق يشترون الهدايا.

سوف يعودون إلى البلدة كما كنت أعود في السنوات الخالية, وسوف يطرقون الأبواب على أهليهم, فتتفتّح لهم ضاحكة مستبشرة, سوف تغمر الفرحة بيوتاً كثيرة هنا وهناك على مقربة منك ومبعدة, وسوف تغصّ هذه البيوت بالمهنئين مع النهار, وبالسامرين مع الليل.