مناقشة نص كتاب الصلح الذي قيل إن عمر بن الخطاب قد منحه لأهل القدس كان من عادة المسلمين أن يمنحوا أهل الذمة، في المدن التي يفتحونها صلحاً، عهداً يتعهدون بموجبها، حمايتهم ومنحهم حرية العبادة وممارسة حياتهم المعتادة، مقابل دفعهم الجزية والدخول في طاعة المسلمين.
وقد تفاوتت هذه العهود في الشروط التي اشترطتها عليهم، والحقوق والامتيازات التي ضمنتها لهم, حتى أن نصوص العهد الواحد قد رويت بصيغ مختلفة. وقد كان التحريف أو التزوير يحدث من قبل أهل الذمة أنفسهم، طمعاً في اكتساب حقوق جديدة إضافة إلى الحقوق التي منحهم إياها المسلمون، أو تخفيفاً لبعض الشروط التي اشترطها المسلمون عليهم. وهم في هذا متأكدون بأن ذلك سينطلي على المسلمين، في الأغلب، ذلك أن المسلمين في ذلك العهد المبكر، لم يكونوا يحتفظون بنسخ من هذه العهود، حتى أن بعض أهل الذمة قد وضعوا عهوداً ليس لها أصول على الإطلاق، وفي بعض الأحيان كان النصارى خاصة يحرفون في عهودهم عندما يلمسون ضعفاً من المسلمين في بلادهم.
ومن العهود المشهورة التي شغلت المؤرخين والباحثين زمناً طويلاً (العهدة العمرية) وهو الاسم الذي أطلق على العهد الذي قيل إن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه قد منحه لأهل القدس حينما جاء لتسلمها من بطريرها صفرونيوس في العام الخامس عشر للهجرة!!؟.
ومن الغريب أن المصادر الإسلامية الأولى لم تشر إلى ذلك العهد، فأول مصدر إسلامي أشار إليه هو اليعقوبي، ثم أورده من بعده ابن البطريق وابن الجوزي، والطبري، ومجير الدين العليمي، وأورد فيما يلي مجموعة الروايات المختلفة التي وردت في هذه المصادر التاريخية لهذا العهد.