ألقت الهجرة على المدينة المنورة عبء الدفاع عن الإسلام والتكلم باسمه، إذ أصبحت مقر الحكومة الإسلامية, وملاذ المهاجرين بدينهم، والقلعة الأولى من قلاع التوحيد.. منها تخرج السرايا والجيوش لحماية الإسلام. ولبثِ الرهبة في قلوب أعدائه لكي يأخذ الإسلام مساره إلى كافة الأرجاء دون معارضة أو صدود..
ألا يكفي أن الإسلام خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة؟ هل يسكت حتى يخرج من المدينة أيضا؟.. لم يكن بوسع الرسول صلى الله عليه وسلم القائد النابه أن يسكت على الضيم، أو يدعْ رسولا من رسله يقتل، أو مبشراً بدعوة الإسلام يغتال أو قافلة من قوافل المسلمين تصادر, أو عهداً من عهوده ينقض بلا عقاب رادع، وجزاء فوري، يرد للمسلمين هيبتهم، وللمدينة كلمتها العزيزة المنيعة.
بل لابد للمهاجرين- المصادَرةُ أملاكهم في مكة, المطرودين من ديارهم فرارا بدينهم- أن يستردوا حقهم.. أو يثأروا للظلم الذي وقع عليهم.. ولا بد للدولة الناشئة الفتية الجديدة أن تثبت وجودها، في وسط هذا البحر الهائج بوحشية الكفر وبربرية الوثنية الباقية على الأرض العربية.
وإذا كانت الغلبة في مثل هذا الجو للقوة المسلحة وقلوب الرجال وسواعدهم، فلا بد من أن يتخذ الإسلام جانب القوة حتى يتغلب على الكفر والبربرية, ليمكن أن ينشر بين الناس فيح تعاليمه العبقة وينشر أزاهيره النضرة، ويضيف إلى المجتمع أسمى تعاليم، لبناء الحياة خضوعا لله ذي القوة والجبروت. فالإسلام هنا اتخذ أهبته الحربية بالإضافة إلى سمو تعاليمه وقوة رجاله وفدائيتهم. وأخذ بأسباب النصر.. ومن هنا كان دفاع الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدينة..