العملية التربوية - أيها الإخوة - تقوم على أربع قواعد: على معلّم، وعلى متعلّم، وعلى مادة تعلّم، وعلى طريقة يعلم بها. وما من ضرر، أو ضعف، أو انحراف، يصيب إحدى هذه القواعد، إلاّ أضر بالعملية كلّها، فعاقها عن الأهداف المبتغاة، وقصّر بها عن الآمال المرتجاة.
ولكنّ بعض الشر أهون من بعض، فما يصيب المتعلم من ضعف أو عجز، وما يلحق بالمادة العلمية من اضطراب أو تخمة، وما ينوب الطريقة من فوضى أو جمود، كل أولئك قد يهون على الأيام، ويقوّمُ فيستقيم.
ولكن المعلم إذا ما أصابه الفساد وكان غير صالح، فهنالك الخطب الفادح، هنالك ندعو واثبوراه، ولا ندعو ثبوراً واحداً، ولكن ندعو ثبوراً كثيراً.
لقد قال الناس كثيراً من القول بياناً لفضل المعلم، ولقد قالوا كثيراً فيما له من أيادٍ لا تمنن على تقدم العلم ونهوض الأمم، ولقد شكروا له ما يبذله من جهد في رفع مستوى الحياة الكريمة، وتحقيق الأهداف العظيمة، وإن المعلم لجدير بما قيل فيه من ثناء، حريّ بما يلاقيه من تكريم، على أنه - وا أسفاه - لا يزال دون المنزلة التي يستحقها في مجتمعات كثير من أمم هذا العالم الكنود.
ولكن المعلمين في هذه الدنيا كثير، فأيهم الذي استحق هذا الثناء؟ وأيهم الذي استأهل ذلكم التكريم؟ هنا نجد جواباً واحداً لا يختلف: هو المعلم الصالح، ولكن - مرة ثانية - ومن يكون المعلم الصالح؟ وهنا تختلف الإجابات، باختلاف أهداف التربية والتعليم لدى الأمم والجماعات، فلكل أمة هدف تُعِدُ المعلم لتحقيقه، ولكل جماعة غاية تريد المعلم أن يقود إليها.