الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد..
فقد فرض الله سبحانه وتعالى الحج مرة في العمر على كل مسلم، لما فيه من الأسرار النفيسة والفوائد الجليلة والمسلم لا يذوق طعم أسراره، ولا يلمس أثر فوائده إلا إذا أداه على الكيفية التي أداه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن كل عبادة لا تؤدي غرضها ولا تحدث في النفوس أثرها إلا إذا جاءت على المنهج المحمدي مظهراً ومخبراً، وهو القائل عليه الصلاة والسلام:"خذوا عني مناسككم".. والقائل صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" والقائل عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
والواقع أن في العبادات من الكمالات النفسية والمنافع الاجتماعية ما لو أدركه المسلمون لانعكس على حياتهم خيراً وبركة ووحدة وصلاحاً ورشاداً وعزة وأمناً وسعادة، وتلك غاية لا تدرك إلا بتجويد العبادة وأدائها على حقيقتها، ومما أضر بنا أننا نؤدي عبادتنا صورة لا حقيقة وفرق كبير بين الصورة والحقيقة كالفرق بين صورة الأسد مرسومة على ورقة وبين حقيقته موجوداً في غاية.
وما نال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ومن تبعهم بإحسان - ما نالوا العزة الباقية على الزمان إلا أنهم كانوا يؤدون عباداتهم على حقيقتها المبينة في الشرع المحمدي تعمقاً في مدلولاتها التربوية وسبراً لأسرارها التشريعية والتماساً لفوائدها الاجتماعية، فلا غرو إن كانوا أعز الأمم وأقواها وأعظم الشعوب وأرقاها.