الحمد لله، وصلاة الله وسلامه وبركاته على رسول الله وعلى آله وصحبه..
وبعد: فإن حادث المسجد الحرام الذي وقع في أول المحرم عام ١٤٠٠ هـ (أي في مطلع القرن الخامس عشر الهجري) أمر لا ينبغي أن يمر كما يمر أي حادث من حوادث الدهر الكثيرة، لأنه فجيعة عالمية فاجأت المسلمين في أقدس مكان حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، وفي الشهر الحرام الذي ظل محل احترام في الجاهلية والإسلام، واستبيح فيه الدم الحرام من حاضري المسجد الحرام وغيرهم من ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، فهو حادث في غاية الغرابة، فيجب الوقوف أمامه، وقفة تأمل وتساؤل: لماذا وقع؟ وكيف وقع؟..
نعم يجب الوقوف أمامه وتقليب أمره لننظر فيه من جميع جوانبه، لنستخلص منه ما فيه من عبر، ثم لنراجع صحائف أعمالنا لنرى ما فيها من تقصير أوجب أو سبَّب هذه الفتنة العمياء المدهشة، لنمحو أثر ذلك التقصير بالإنابة إلى الله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} ، الذي قدر ولطف فيما جرت به المقادير؛ وهو اللطيف الخبير، حيث انتهى الحادث إلى تلك الفرحة التي غمرت القلوب، قلوب المؤمنين في كل مكان، وهى فرحة تطهير المسجد الحرام للطائفين والقائمين والركع السجود، بعد أن دنسه أولئك المتهورون العصاة المتمردون، تلك الفرحة التي بردت قلوب المسلمين المفجوعة التي باتت تنتظر فترة التطوير بفارغ الصبر.
وإن أول آذان بعد الحادث يعتبر إعلانا بأن الفتنة انتهت بما حملت من أحزان وهموم وكآبة، وحل محلها الفرح والسرور، الفرح بنعمة الله، نعمة التمكين من تطهير المسجد الطاهر مما طرأ عليه من أعمال الجهيمانيين السفهاء.