أستاذ بالدراسات العليا بالجامعة ورئيس شعبة الدعوة بها
تمهيد
كان شروق شمس الإسلام نقطة تحول في تاريخ المسلمين بخاصة، وفي تاريخ البشرية بعامة، لما أحدثه من تغيير جذري في حياة المسلمين، وفي مظاهر حضارتهم، ثم ما أحدثه في الحضارة الإنسانية في القرون التي تلت ذلك الحدث العظيم، وهو تغيير ستظل آثاره باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وكانت هجرة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى يثرب بداية لقيام دولة المسلمين، بقيادة النبي الأمين في هذه المدينة الطيبة التي أصبحت القلب النابض في الدولة الإسلامية وصارت مركز إشعاع للدعوة الإسلامية، وسميت المدينة المنورة، وانتشرت منها أشعة شمس الإسلام، دين الله الحق، فاستضاء بنور الإسلام أَهل الأرض في كثير من أنحائها، فخرجوا من الظلمات إلى النور، وهدوا إلى سواء السبيل.
وكان من نتيجة ذلك التحول العظيم في مظاهر الحياة في المدينة المنورة، قاعدة الدولة الإِسلامية، بعد استقرار الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيها، أَن أصبح للعمران في المدن الإسلامية بعد ذلك خصائص واضحة مميزة جديرة بأن يدرسها، ويهتم بها المشتغلون بتخطيط المدن، ويتبينوا آثارها في الحضارة الإسلامية.
وسأحاول في هذا البحث أن أبين أهم خصائص العمران في المدينة المنورة في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي الخصائص التي ظهرت بوضوح في المدن الإسلامية الأخرى، بعد عصر الرسول في أنحاء العالم الإسلامي الكبير، حين اتسعت دولة الإسلام، وغلبت صبغته على مظاهر الحياة، عند كثير من شعوب العالم على اختلاف أماكن هذه الشعوب، وأجناسها وألوانها وألسنتها وبالله التوفيق.