كانت مدينة يثرب- التي تعد النموذج الأول والكامل للمدن الإسلامية- قبل الإسلام تقع في واحة خصيبة كثيرة العيون على الطريق التجاري بين اليمن والشام على بعد أكثر من أربعمائة كيلومتر من جهة الشمال من مكة المكرمة، وكانت تسكنها قبائل عربية قبل شروق شمس الإسلام.
وتفيد الأخبار التي وصلت إلى الدارسين أن قبائل العماليق سكنت مدينة يثرب واستقرت فيها، وهي قبائل تنتمي إلى العرب البائدة، وتدل الأخبار كذلك على حدوث هجرات يهودية إلى يثرب، وأن اليهود استطاعوا الانتصار على العماليق، مما مكنهم من النزول بيثرب والاستقرار فيها.
وقد ذكرت كتب التاريخ أن الهجرات اليهودية إلى يثرب حدثت منذ عصر نبي الله موسى عليه السلام، ثم تتابعت في أوقات الغزو البابلي لفلسطين، ثم في أثناء احتلال الرومان لبيت المقدس، وبطشهم باليهود، وتدميرهم لهيكل نبي الله سليمان عليه السلام.
ومن المسلم به بين الدارسين أن اليهود سكنوا يثرب قبل الإسلام، فكان عدد من القبائل اليهودية يعيش في يثرب في الوقت الذي أشرقت فيه شمس الإسلام، وحين هاجر رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه المدينة وأسس فيها دولة الإسلام، فأصبحت تسمى المدينة المنورة وظهرت فيها الخصائص المميزة للمدن الإسلامية في شتى أنحاء العالم.
ومن القبائل اليهودية التي كانت تسكن يثرب -وقت ظهور الإسلام- بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، إلى جانب القبائل العربية الساكنة فيها، وكان أشهر هذه القبائل العربية الأوس والخزرج.
ومن المرجح أن اليهود سكنوا مدينة يثرب قبل أن يسكنها الأوس والخزرج، وأن اليهود كانوا يشتغلون بالزراعة ويملكون جزءاً من أراضي المدينة، ويقيمون الحصون والأطم ليحتموا بها، وليحفظوا بها حاصلاتهم الزراعية.