أما الأوس والخزرج فهم من قبائل الأزد اليمنية التي هاجرت من اليمن بعد تهدم سد مأرب واتجهت شمالاً، فأقام جزء منها في بادية العراق، وأقام جزء آخر في مكة، وواصل جزء ثالث منها سيره حتى بلغ بادية الشام فأقام فيها، ووصل جزء رابع إلى منطقة يثرب فأقام فيها، وكانت مضاربه بجوار اليهود، وكان الأوس والخزرج يشكلون أفراد ذلك الجزء الرابع من قبائل الأزد اليمنية الأصل، وكانوا يعرفون مدينة يثرب جيداً، لأنها تقع على الطريق التجاري بين اليمن والشام.
وكان اليهود ينظرون باستعلاء إلى الأوس والخزرج في بداية الأمر، ثم ما لبثوا أن حالفوهم، غير أن الأحوال تغيرت بعد ذلك، فقويت شوكة الأوس والخزرج، ورجحت كفتهم، بعد أن تغلبوا على اليهود، فأخذوا يملكون جزءاً من الأراضي الزراعية، ويبنون الحصون، فصارت لهم الكلمة العليا في المدينة وأخذ نفوذ اليهود في الضعف.
وتنافس الأوس والخزرج على السلطان، فظهر الشقاق بين صفوفهم، مما أدى إلى اشتعال نيران الحروب بين الطرفين، واستمرت هذه الحروب زمناً، وتبادل الطرفان النصر والهزيمة، واضطربت -في أثنائها- الأحوال في المدينة، فاستغل اليهود تمزق الصف العربي، وحالف بعضهم الأوس، بينما حالف بعضهم الآخر الخزرج، ليزيدوا الصف العربي تمزقاً وضعفاً، وليزيدوا الأحوال في المدينة اضطراباً، وظلت الأحوال مضطربة إلى وقت شروق شمس الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي.
وتفيد الأخبار المروية أن الصراع بين الأوس والخزرج ظل قائماً إلى وقت قريب من هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى مدينة يثرب، وأن يوم بعاث كان آخر مظاهر الصراع بين الطرفين، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية بخمسة أعوام.