وكانت طبيعة مدينة يثرب الجغرافية تيسر الحياة فيها، حيث المياه وفيرة، والعيون كثيرة، والأرض خصبة، تجود فيها الزروع المختلفة، ويكثر فيها النخيل مما يجعل العيش فيها أكثر يسراً من العيش في مكة الشديدة الجفاف، لوجودها في واد غير ذي زرع، تحاصره الجبال، وتقل فيها المياه.
غير أن التكوين السكاني في مدينة يثرب قبل الإسلام لم يساعد على إيجاد تجانس بين سكانها الذين كانوا من اليهود والعرب، فلم يكن الوئام سائداً بين الطائفتين، كما أن العرب أنفسهم كانوا متخاصمين تكثر بينهم الحروب -كما ذكرنا- فانعدم الاستقرار في المدينة قبل الإسلام، وافتقدت التنظيم الإداري الصحيح الذي يجعل الطمأنينة تسود ربوعها، مما أثر في النواحي العمرانية فيها قبل هجرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- إليها.
وهكذا أثر انعدام التجانس السكاني في المدينة قبل الهجرة النبوية في شكل العمران فيها، فكان سكانها يعيشون في وحدات منفصلة، وفي قبائل متنافرة تخشى كل منها الأخرى، وتبني الحصون لتحتمي بها إذا هوجمت، فلم تستطع المدينة قبل الإسلام منافسة مكة في التقدم والزعامة، برغم تيسر الحياة في المدينة لوجود الزراعة فيها، ووفرة المياه، لأن مكة كانت ذات تكوين سكاني يساعد على الاستقرار والتقدم، فكان أكثر سكانها من العرب تحب زعامة قريش، مما ساعد على تنظيم أمور الإدارة والحكم، كما ساعد وجود البيت الحرام بمكة على جعلها مهوى لنفوس العرب ومحل احترامهم جميعاً، مما أدى إلى نمو التجارة بهذه المدينة المقدسة، فقامت الأسواق فيها، للتعامل مع الوافدين إليها لزيارة الكعبة، فارتفع شأن مكة، وصارت لها الزعامة في شبه الجزيرة العربية بينما قل شأن مدينة يثرب لانعدام التجانس بين سكانها، وفقدانها التنظيم في الحكم والإدارة، وعدم وجود أماكن مقدسة فكانت لا تقوى على منافسة مكة في أهميتها وزعامتها.