في الحلقات الخمس الماضية يسر الله لي معالجة شيء من المعاني المتعلقة ببعض أسماء الله الحسنى في محاولة لفهم جوانب من مضامينها؛ وكان آخر ما شملته هذه المحاولة هو اسمي (المولى-والوليّ) . ولما بدا لي ا، أستكمل بحثي في هذه الحلقة، ذكرت دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم الجامع لهذين الاسمين في آن معا حين يضرع إلى ربه قائلا:"اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".
وهذا الدعاء الرائع يشمل خيري الدنيا والآخرة، إذ أنه لو جمع الإنسان أن يبعد عن نفسه فجورها، وأن تحقق لها بقواها، لكان كل ما يأتيه مراقباً فيه لله تعالى طامعاً في ثوابه، حاذراً من عقابه، وكذلك لو جمع للإنسان أن تجنب نفسه تدسيتها، وتُحصلَّ لها تزكيتها، لكان كل ما يصدر عنه نقياً طاهراً.
وما دام أن عمل الإنسان قد خلص لله جل وعلا، ونقي من كل شائبة، فإنه يكون سبباً في خيره وفلاحه في دنياه وآخرته.
ومن ذا الذي يخلص النفس من فجورها وتدسيتها؟ ومن ذا الذي يحقق لها تقواها وزكاتها؟ إنه الله القدير سبحانه، قلوبنا بين إصبعين من إصبعه يقلبها كيف يشاء، ذلك بأنه-جل وعلا- يتولى أمر عبده المؤمن، ويوليه رعايته وتوفيقه، فيعيش في كنفه، ويحظى بالأمن في رحابه.
ومن أسعد ممن يرعاه حبيبه، ويتولاه مولاه؟ ويأخذ بناصيته إلى برّ النجاة؟
وبالتأمل في كتاب الله العزيز، نجد تلك المعاني في مثل قوله تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس آية ٦-١٠) .