ومعنى قوله تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} : أي خلقها سويةً مستقيمة على الفطر القويمة كما قال سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[١] .
أو بمعنى: سوَّاها: خلقها وأنشأها وسوى أعصابه [٢] .
ومعنى قوله تعالى:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} : أي بيّن لها الخير والشر، أو ألهمهما الخير والشر، أو جعل فيها فجورها وتقواها [٣] .
أو بمعنى: عرَّفها وأفهمها حالهما (أي حال التقوى والفجور) وما فيهما من الحسن والقبح. أو عرفها طريق الفجور والتقوى، والمعصية والطاعة. أو: عرفها طريق الخير وطريق الشر كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} . وقد حكى الإمام بن كثير قول محمد بن كعب:"إذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به الشر ألهمه الشر فعمل به". كما حكى قول ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا القول، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان. وقال الواحدي: وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام، فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام، والإلهام أن يوقع في قلبه ويجعل فيه، وإذا أوقع الله في قلب عبد شيئا ألزمه ذلك الشيء وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه، وفى الكافر فجوره [٤] .
وجاء في معنى قوله تعالى:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يقرأ هذه الآية يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها" رواه الإمام أحمد- بسنده- عن زيد بن أرقم الذي قال عن هذه الدعوات: