إن ما تراه العيون والأبصار من صنعة البديع الخلاق في الفضاء والآفاق تسوقها إلى الإيمان المطلق بالله القدير الصانع لهذا الوجود.
وإذا ما استقر هذا الإيمان في القلب واستخدم الإنسان العقل والفهم وجد أن الاعتراف بالقدرة المطلقة يستلزم الإقرار بالعجز المطلق، الشامل لكل ما في الكون من خلائق وحقائق، ومن مقدمات ونتائج وغايات ووسائل ...
والعجز الشامل المطلق يلغي الواسطة والحيلة، ويجعل المؤمن المفكر يقر بعدم ارتباط التأثير في المسبب للسبب، أو خضوع النتيجة للمقدمة، أو استتباع الغاية للوسيلة. لأن ارتباط هذه الأشياء ببعضها ليس ارتباطا ذاتيا، وإنما هو ارتباط عارض جاء تنظيما من الله سبحانه وتعالى لهذا الوجود. فالمصدر الأصلي لهذا الارتباط إنما هو إرادة الله تعالى. حتى أننا لنجد هذا الارتباط ينفك تماما عندما يريد الله ذلك مثل ما حدث لإبراهيم عليه السلام حينما أراد العلي العظيم ذلك فقال:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} وفي المسند عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم".
وقدرة الله تعالى واضحة وظاهرة، وثابتة وشاخصة، ومشهودة ومحسوسة وعجز المخلوق يشهد له الواقع، وتبديه التجربة. وكل من القدرة والعجز شاهد على صحة الآخر. فعجز المخلوق دليل على قدرة الخالق، وقدرة الخالق المطلقة دليل على عجز المخلوق البالغ والشامل {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} .