في عام ٤٩٠ هـ الموافق ١٠٩٦ م حشد الغرب الصليبي بنيه من كل جنس وهجم على الشرق الإسلامي في أعداد كموج البحر. وحتى يبرروا الهجوم العدواني لابد من استغلال العاطفة الدينية فصاحوا في الناس أن بيت المقدس أصبح في يد شعب غريب يقصدون المسلمين وما كان ذلك هو السبب وإن علقوا على صدورهم الصلبان لكنهم نظروا في واقعهم ووجدوا أنهم على حالة من الفقر والعوز لا يصلح معها عيش، أرضهم تضيق بهم وتعجز عن إمدادهم بالطعام، وأرض الشرق لا نظير لها في خيراتها.. هم في حاجة إلى ثروات وإمكانات يريدونها للنهوض بغربهم وهي لا توجد إلا في الشرق الإسلامي.
هذا إلى جانب ما هم عليه من حقد دفين على الإسلام وأهله فهم لا يألون جهدا، ولا يدخرون وسعا في حربه وطيّ راياته، والقضاء على أمته. وفي سبيل تلك الغاية يعتسفون الطرق، ويركبون الصعب والذلول.
من أجل هذا وذاك سالت بهم الوديان كل مسيل، يدفعهم حقد أسود ويسوقهم عدوان أثيم على ديار المسلمين الذين استحكمت يومئذ بينهم العدوات وضعضعت من قوتهم عميق الحزازات مما جرأ النصارى عليهم ودفعهم إلى أن يغزوهم في عقر دارهم.
وهكذا اندفعت كتائبهم، وتوالت حملاتهم، لا ينقضي منها عنيف إلا جاء بعده أعنف، وقد صور ذلك القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي أصدق تصوير حين قال للسلطان:"إنه لما اجتمعت كلمة الكفر من أقطار الأرض، وأطراف الدنيا، ومغرب الشمس ومزخر البحر، ما تأخر منهم متأخر ولا استبعد المسافة بينك وبينهم مستبعد وخرجوا من ذات أنفسهم الخبيثة، لا أموال تنفق فيهم، ولا ملوك تحكم عليهم ولا عصا تسوقهم، ولا سيف يزعجهم، مهطعين إلى الراعي، ساعين في أثر الساعي، وهم من كل حدب ينسلون ومن كل بر وبحر يقبلون"[١] .