وما راع المسلمين إلا رؤيتهم النصارى يقتحمون عليهم ديارهم، ويرفعون السيوف في وجوههم، ويدفعون بالخيول في صدورهم. وأمام هذه المباغتة تنادى المسلمون والتحمت صفوفهم وواجهوا هذا العدوان بشجاعة لا نظير لها، ودارت بين الفريقين معارك عنيفة انتهت باستيلاء المسيحيين على بيت المقدس.
وعندما لعبت بعقولهم نشوة الانتصار راحو يذبحون النساء والأطفال والشيوخ وأئمة المسلمين وعبادهم وهم داخل بيت المقدس وفي رحابه.. لم تمنعهم قدسية المكان عن ارتكاب هذه الجريمة التي تنشق لها المراير، وتنفطر من هولها القلوب.
وتمكن الصليبيون من السيطرة على الشام وخاصة الجزء الساحلي من آسيا الصغرى إلى خليج العقبة. وبهذا تحكموا في منافذ الشرق الإسلامي فتفتحت لهم طرق التجارة، وسيطروا على الأسواق الشرقية فأصبحت لهم مورد كسب، وينبوع ثروة، ومصدر غنى ورخاء.
وقف المسلمون أمام هذه الهزيمة التي طعنت كرامتهم بأصمى سلاح، وتركت في حلوقهم أمر من طعم العلقم وقفوا يتطلعون بعين الأمل إلى قائد راشد الرأي قوي العزيمة مشدود الشكيمة لا يرام ما وراء ظهره، صبور في ميدان القتال، لا يستسلم مهما عظمت الخطوب، وكثرت عقبات الدروب.. إذا رأى خرقا بادر بسده، وإذا أبصر سارع برده، توحيدا للكلمة، وذوداً عن حرمات الأمة وحماية لظهرها وتمكينا لدينها..