وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن الحكمة في خلق الجن والإنس أن يعبدوا الله تعالى، وأن فائدة عبادتهم له عائدة إليهم، وأما الله المعبود فهو الغني المطلق، وأنه هو الذي يرزق عباده. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} .
وما ذكره بعض العلماء من أن الحكمة هي الاستخلاف في الأرض لعمارتها ماديا ومعنويا لا ينافي ما ذكر، لأن العبادة بمعناها الواسع الشامل الذي سيأتي شاملة لذلك.
وكل خير وصلاح في الأرض يعتبر جزءاً من العبادة، والتعليل المفهوم من الآية السابقة أصرح من قوله تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً} ، بل ظاهر قوله تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} مع قول الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} يدل على أنه ليس المرد بالخليفة من تجتمع فيه عمارة الأرض معنوياً ومادياً، وإنما المراد جعل الناس عامة خلفاء في الأرض أي بعضهم يخلف بعضا، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْض} ، وقال:{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْض} وليراجع تفسير ابن كثير (١/٦٩) وهذه الخلافة المذكورة هي الخلافة الكونية، أما الخلافة الشرعية التي هي تسلم مقاليد أمور الأمم بشروطها فذاك أمر آخر، والله أعلم.
وإذا كانت الحكمة من خلقنا هي عبادة الله فما معنى هذه العبادة؟ وما الذي تشمله؟ وكيف فهمها السلف الصالح في العصور الإسلامية المفضلة؟ وكيف يفهمها الآن عامة الناس؟ وما نتائج الفهمين؟