موازنة بين النثر والشعر في التهنئة بفتح القدس
لفضيلة الدكتور محمد نغش
في التهنئة بفتح القدس
لم تحظ موقعة في تاريخ الدولة الأيوبية بالفرحة بالنصر مثلما حظي بذلك فتح بيت المقدس، فقد انبرى الشعراء في مختلف أنحاء الأقطار الإسلامية ينظمون القصائد الكثيرة في هذه الموقعة الشهيرة.
وكان من أوائل الذين وصلوا إلى مخيم السلطان صلاح الدين من مصر الجواني المصري، وقصيدته مطلعها:
أتُرى مناما ما بعيني أبصر
القدس يفتح والفرنجة تكسر
وأتى إلى مخيم السلطان أيضا الشاعر المصري ابن سناء الملك، وهنأه بقصيدة مطلعها:
لست أدري بأي فتح تهنا
يا منيل الإسلام ما قد تمنى
كما نظم ابن الساعاتي شاعر مصر والشام في زمانه قصيدة منها:
أعيا وقد عاينتم الآية العظمى
لأية حال ندخر النثر والنظما
وكان من شعراء مصر الذين هنئوا السلطان بيوم الفتح ابن الجويني فخر الكتاب، وقصيدته تبدأ هكذا:
جند السماء لهذا الملك أعوان
من شك فيهم فهذا الفتح برهان
ومن المصريين أيضا ابن المجاور الوزير العزيزي هنأ السلطان صلاح الدين بقصيدة جاء فيها:
بالنصر المهدي والهادي إلى
سبل الجهاد أتى المظفر يوسف
والفرق بين ما كتبه القاضي الفاضل بشأن القدس في رسالته الطويلة إلى الخليفة العباسي وبين ما كتبه هؤلاء الشعراء جميعا أن القاضي الفاضل وصف المعركة وصفا مفصلا، بينما هؤلاء الشعراء أتوا بوصفهم مجملا، فالنثر الذي تكتب به الرسائل الديوانية بطبيعته أقدر على استيعاب التفصيلات الدقيقة، لأن الكاتب يدبجه بغرض الإبلاغ بحوادث معينة، مستقصيا فيها أطراف الموضوعات، بخلاف الشعر الذي يعبر عن خلجات نفسية ولمحات فنية، فكل شاعر يركز على معنى أو أكثر من المعاني التي بهرته ويفرغ فيها طاقاته.