ولنقارن بين رسالة القاضي الفاضل وما وصلنا من أبيات القصائد السالفة الذكر، فكلاهما الرسالة والقصائد قيلا في غرض واحد وهو فتح القدس.
ولنبدأ بذكر بناء كل منهما، ونثني بذكر المعاني الواردة فيهما، ثم نختم بالصور الفنية التي يشتملان عليها، فمقدمة القاضي الفاضل طويلة، وفيها تفاصيل كثيرة، وإليك نصها:
((أدام الله أيام الديوان _ العزيز النبوي الناصري _ ولا زال مظفر الجِد [١] بكل جاحد، غنيا بالتوفيق عن رأي كل رائد، موقوف المساعي على إقناء مطلقات المحامد، مستيقظ النصر والنصل في جفنه [٢] راقد، وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد، متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى بشكر واحد، ماضي حكم القول بعزم لا يمضي إلا بنسل [٣] غوى وريش [٤] راشد، ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء [٥] إلى المرابع [٦] وأنوارا إلى المساجد، وإلى الأعداء خيلا إلى المراقب [٧] وخيالا وإلى المراقد)) .
وهو يمدح بها الخليفة بأنه رجل موفق دائما، منصور دائما، جواد يعم بجوده جميع الناس، ذو عزم قوي ينفع نفعا محققا إذا أراد، ويضر ضررا محققا إذا كانت الحكمة في ذلك، ذو هيبة في قلوب أعدائه، تفزعهم في اليقظة، وتقض مضاجعهم في النوم، والقاضي الفاضل يحرص في مقدمته على الالتزام بالسجع والطباق والجناس، بينما نرى الشعراء المصريين في تهنئتهم للسلطان صلاح الدين يتركون التقديم لقصائدهم بمقدمات غزلية، وينهجون نهج القاضي الفاضل في رسالته هذه وفي غيرها من الرسائل، فهم يقدمون لقصائدهم بديباجة تعد بمثابة المقدمة الموسيقية فهي تدور مباشرة في جو القصيدة، وهو التهنئة بهذا الفتح العظيم.