وإذا استقرت في نفوسها تلك الحقيقة الثابتة التي هي أم الحقائق وغاية الغايات ونهاية النهايات، وأصبحت محور وجودنا منها نندفع ولها نعمل وإليها نعود، فلم نر في هذا الوجود سوى الله وحده، وأن ما عداه صدر عنه ونشأ منه وخضع له واستكان لعزته ودان لسلطاته وخشع لجبروته، لا إله إلا هو الواحد القادر القهار، إذا استقرت في نفوسنا تلك الحقيقة أصبح الإيمان بالله هو الطاقة التي تخلق فينا الحياة، وتصنع لنا الوجود، وصار صدورنا له وورودنا منه وتلاشت الخلائق وما يبدو لها من قوة أو سلطان أو طغيان.
انظر معي عبر الزمن إلى فئات المعذبين من المؤمنين وهم حول محمد وعيسى وموسى وإخوانهم المرسلين ـصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وهم لا يقيمون وزناً لما يصيبهم من عدوان أو طغيان، وعندما كان يقال لهم: إن الناس قد جمعوا لكم. فما يزيدهم هذا التجمع إلا إيماناً على إيمان.
وانظر معي إلى قمم الهداية وهي تتعرض لعواصف الجهل وزوابع الكفر وحماقات الشرك فتلقى ذلك كله بالرضا والقبول، وتعطي في مقابل ذلك بسمات ودعوات وتضرعاً إلى صاحب السلطان ومالك الأمر والنهي متفقة بهم وهي تقول:"اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
وهكذا كان الجهل وعدم العلم هو سر الأسرار في انغلاق الأفهام والأبصار، ولو أن الإنسانية فتحت عيونها على الكون متجردة من الغرض والمرض لوجدت الحقيقة الباهرة التي تجذب الأنظار وتزلزل القلوب والمشاعر: