نعرف أن الفاعل هو الذي قام به الفعل أو وقع منه، والمفعول به هو الذي وقع عليه الفعل.
ومعروف كذلك الفرق بين الفاعل والمفعول به من الناحية اللفظية لدى النحاة فالفاعل مرفوع والمفعول به منصوب، وهذا الفرق اللفظي يستتبع عندهم فرقا اصطلاحيا في معنى كل جملة فمثلا إذا قلت:
"تحرك الشجر"لفظة الشجر تعرب فاعلا نحويا لكن هذا الإعراب لا يتفق مع المعنى اللغوي الواقعي لكلمة (فاعل) وهو من أوجد الفعل حقيقة وباشر بنفسه إبرازه في الوجود، لأن (الشجر) لم يفعل شيئا إذ لا دخل له في إيجاد هذا التحرك وجعله حقيقة واقعة بعد أن لم تكن، وبالاختصار ليس لكلمة (الشجر) عمل إيجابي مطلقا في إحداث التحرك وكل علاقته بالفعل أنه استجاب له فقامت الحركة به ولابسته من غير أن يكون له دخل في إيجاد الحركة، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التحرك وكان السبب الحقيقي في إبرازه للوجود، بالطبع ليس في الجملة ما يدل عليه، أو على شيء ينوب منابه.
لكنك إذا قلت حرك الهواء الشجرة تغير الأمر وظهر الفاعل الحقيقي المنشئ للتحرك الذي وقع أثره على المفعول به. وما قيل في (تحرك الشجر) يقال في (تمزقت الورقة) فإعراب الورقة فاعلاً نحوياً لا يوافق المعنى اللغوي لكلمة (فاعل) ولا يوافق الأمر الواقع، لأن الورقة في الحقيقة لم تفعل شيئاً فلم تمزق نفسها ولا دخل لها في تمزقها ولم تحدث التمزق ولكنها تأثرت بالتمزق حين أصابها، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التمزق لا النحوي؟ لا وجود له في الجملة ولا دليل يدل عليه، لكن إذا قلت مزق الطفل الورقة ظهر الفاعل الحقيقي واتضح من أوجد الفعل بمعناه اللغوي الدقيق.