تمهيد: لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم _ والناس فوضى متفرقون، لا تكاد تجد شخصين يلتقيان على كلمة سواء، ولا زوجين يسيران في اتجاه واحد، قبائل متناحرة، وبيوت ممزقة وأسر متفرقة.
مجتمع مهلهل في عقيدته، مشتت في أوضاعه ووجهته، واصدق تعبير عن هذا التمزق قول شوقي:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم.
إلا على صنم قد هام في صنم.
بعث النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وهذه حال العرب، بل حال الدنيا كلها، فكانت مهمته _ صلى الله عليه وسلم _ جمع الشتاة، ولَمِ الشمل، ولهذا جاء _ صلى الله عليه وسلم _ بالتوحيد، توحيد العقيدة وتوحيد الوسائل وتوحيد الغاية.
هذا التوحيد الشامل لكل نواحي الحياة المختلفة، هو الغاية العظمى التي من أجلها بعث رسول الله، فقامت أمته على التوحيد، حتى كان التوحيد أساس عقيدتها، وواضع نظمها وثقافتها وروح منهاجها وطريقتها ومنطلق وسائلها وغايتها.
لم يكن هناك شيء يجمع هذه الأشلاء الممزقة إلا التوحيد، حيث عجزت هذه الأمة أن تلتقي على شيء فشلت عروبتها في جمعها، كما عجزت آلهتها عن لَمِ شملها، وبالتالي عجزت صرخات الحنفاء من أبنائها الذين نادوا بالتحذير وحاولوا تبصيرها بعاقبة أمرها.
لقد عجزت كل الوسائل، ولم يبق إلا التوحيد بمعناه الشامل الواسع الذي ذكرته سابقا. ولقد شاء الله _ سبحانه لهذه الأمة أن تكون خاتمة الأمم، كما شاء لرسالتها أن تكون للناس كافة، فهي ليست دعوة إقليمية، ولا هي دعوة شعوبية، بل هي للأمم عامة وللناس كافة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[١] .