فكان لا بد لهذه الأمة المصطفاة، التي كتب لها أن تبقى لتشهد مصرع الحياة، كان لا بد لهذه الأمة من ملامح تميزها عن غيرها من الأمم التي ستعاصرها في تلك الحقبة من الزمان، فكانت تلك الملامح مجتمعة في التوحيد: وحدة العقيدة، وحدة الوسائل، ووحدة الغاية.
١_ وحدة العقيدة:
العقيدة أهم الوسائل توحيد الأمة، لأن الأمة إذا كانت موزعة العقيدة متفرقة الدين تتخطفها آلهة شتى، ويتنازعها أرباب متفرقون، كانت أمة مبعثرة الاتجاه، ممزقة الشريعة ضالة الغاية.
فتوحيد العقيدة يتجه أولا إلى توحيد الله _ عز وجل _ إذ يقتضي التوحيد أن يكون إلها واحدا، وأن يكون هو ربها الذي تدين له بالربوبية، وهو سبحانه معبودها الذي تعنو له جباهها.
وتوحيد العقيدة يقتضي صرف العبادة بأنواعها المختلفة إلى ذلك الإله الواحد، فيكون توكلها عليه، ورجاؤها فيه، وخوفها منه، ومحبتها له، كما يكون نذرها وذبحها، واستغاثتها واستعانتها، ودعاؤها وأملها، كل ذلك يكون لذلك الإله الواحد _ جل وعلا _.
وإن أول تفرق الأمة وتمزقها، يأتيها من تفرق عقيدتها، فدعاء الناس مخلوقا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا هو أول أبواب الشر الكثيرة التي تفتح عليهم وخوفهم من المخلوقين وتوقع الضر والنفع منهم هو أعظم البلاء الذي ينزل بهم، وتوكلهم على ذوي الجاه والمناصب واعتقادهم بأنهم هم الذين يسيِّرون الأمور، ويدفعون الشرور، هو أكبر المخاطر التي تحيق بهم.