فإذا تحقق التوحيد _ بهذا المعنى _ في القلوب، وسيطر على النفوس، غير مجرى الحياة كلها، فترى الناس يستمدون قوتهم من الله الواحد، ويستلهمون خطتهم من الإله الواحد، تطمئن قلوبهم إلى نصره، وتطمع نفوسهم في تأييده، وتمتد إليه سبحانه أيديهم بالسؤال، لأنه وحده الذي يملك الإجابة وتعنو جباههم له بالعبادة، لأنه الواحد الذي يستحق العبادة، وتطأطئ رؤوسهم لعظمته، لأنه الواحد المتفرد بالعظمة، وتنحني هاماتهم خضوعا لجلاله، لأنه وحده ذو الجلال والإكرام وتنقطع آمالهم إلا من كرمه لأن خزائنه سحاء الليل والنهار، وتخضع أعناقهم لحكمه، لأنه _ جل شأنه _ لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
فهو _ جل جلاله _ الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
إن عقيدة التوحيد تجمع القلوب المتفرقة، وتمد الضعفاء بقوة فوق قوة البشر وتجعل الأمة المبعثرة الممزقة وحدة ترهب الأعداء، وتحقق الآمال، وتنشر العزة بين الصفوف فيواجهون الشدائد بعزة المؤمنين، ويتغلبون على الصعوبات بقوة اليقين بنصر الله.
تلك هي اللمحة الأولى من ملامح المجتمع الإسلامي وهي اللمحة الأهم التي ركز عليها الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ منذ بعثته حتى انتقل إلى جوار ربه.
٢_ وحدة الوسيلة:
إذا كانت وحدة العقيدة هي اللمحة الأولى للمجتمع فإن وحدة الوسيلة من أهم أسباب وحدة الأمة لأن الوسائل هي الطرق المؤديَّة إلى الغاية.
والغاية في الإسلام هي إرضاء الله _ عز وجل _ بطاعته فيما أمر ونهى وإخلاص العبادة له وحده دون سواه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}[٢] .