بعد أن تم لعمرو فتح حصن بابليون حمد الله بما هو أهله، وشكره - سبحانه - على منه وفضله، وتنفست الصعداء فقد طال حصار الحصن سبعة أشهر دون أن يرى في الأفق ما يبشر بالنصر والمسلمون وإن لم يكونوا في ضائقة تؤدي إلى تذمر، أو تصل إلى حد العنت، ولكنهم كانوا قد ملوا الوقوف، وخشي عمرو أن يدب الوهن في صفوفهم لتحصن عدوهم، وتوفر المئونات لدى خصمهم مما يوفر المناعة لدى المتحصنين، ويعطيهم فرصة أكبر للمقاومة والصمود.
ولعل هذا هو الذي جعل الزبير بن العوام - رضي الله عنه - يفكر في وسيلة يقتحم بها الحصن، ويقول لعمرو: لقد وهبت نفسي لله، تم يصعد أسوار الحصن المنيعة، ويكبر فيكبر المسلمون من ورائه ويفتح الله عليهم.
وبدا لعمرو أن يزحف إلى الإسكندرية، ولاسيما وقد استتب الأمن في ربوع البلاد التي فتحها، ودان أهلها بالولاء للغزاة الفاتحين، فمنهم من دخل طوعاً في الإسلام، ومنهم من صالح على الجزية راضيا مقتنعاً، ولكن عمراً لا يستطيع الزحف على الإسكندرية مهما أغراه النصر الذي أحرزه في بابليون، ومهما شجعه استسلام القبط ورضاهم عما أنجز من الفتوحات حتى يستأذن الخليفة ويأذن له.
فأرسل عمرو إلى أمير المؤمنين يبشره بفتح الحصن، ويستأذنه في الزحف على الإسكندرية [١] .
وانتظر عمرو جواب الخليفة وأذنه وهو مقيم في الفسطاط، وعلم عمرو بما كان يدور على ألسنة أهل مصر من استصغار شأن العرب، واحتقار ملابسهم ومعاشهم، واستغرابهم من انتصارهم عليهم، فخشي عمرو أن يجر ذلك إلى الإستهانة بالمسلمين، وتشجيع عدوهم على الدخول معهم في معارك لا يعلم نتائجه إلا الله – سبحانه - وفكر عمرو، كيف يرد المصريين عن هذا التفكير؟ وكيف يقنعهم بجدارة الفاتحين واستحقاقهم لما أحرزوا من نصر؟؟