للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعزم عمرو على أن يرى قبط مصر ما يجعلهم يرهبون المسلمون، ويحذرون الدخول معهم في صراع جديد، فأمر بجزر فذبحت، وطبخت بالماء والملح، ودعا أمراء الجند فحضروا ومعهم الجنود، وأذن لأهل مصر بالدخول، وقدم الطعام للمسلمين، فأكلوا أكلا عربيا، ونهشوا اللحم واحتسوا المرق، وهم متدثرون بالعباء، وليس عليهم سلاح ورأى ذلك كله أهل مصر فازدادوا طمعاً وجرأةً بالمسلمين.

وفي اليوم التالي دعا أمراء الجنود وأصحابهم، وأمرهم أن يحضروا في ثياب أهل مصر وأحذيتهم ففعلوا، وحضر الأمراء والجنود في هيئة المصريين، وأذن لأهل مصر بالدخول، فلما دخلوا رأوا شيئاً غير الذي رأوه بالأمس، لقد رأوا بالأمس بدواً متلفحين بالعباء، ينهشون اللحم بأفواههم، تتطاير قطعه على من بجوارهم، واليوم رأوا قوماً كأنهم ولدوا في مصر، وتربوا على موائدها، فهذه الأطعمة مصرية لا يعرفها العرب، والقوام يقومون عليهم بألوان من الطعام فيتناولونه بطريقة أهل مصر، فخرج المصريون من مجلس عمرو وقد ارتابوا في أمرهم، وقال بعضهم لبعضهم: كدنا.

وأراد عمرو أن يرى المصريين قوته الحربية، فبعث إلى الأمراء أن يلبسوا السلاح وأن يستعدوا للعرض العسكري، فلبسوا وتأهبوا، وأذن للمصريين بالحضور، فحضروا، وأمر بالاستعراض فسار الأمراء على رؤوس الجند وهم جميعاً بالسلاح والعتاد [٢] .

ورأى المصريون ذلك فانبهروا، إِنهم أمس الأول رأوا قوما يطمع فيهم من يراهم فهم من البداوة والسذاجة بحيث لا يرجى منهم نفع ولا ضر، وبالأمس رأوا قوما على جانب عظيم من الحضارة والذوق وحسن المصانعة حتى ليظن من يراهم أنه في قوم لهم ماض عريق في الحضارة والرقي، واليوم يرون جنوداً شاكي السلاح يرى فيهم من يراهم أسوداً كواسر لا تهاب الموت، ولا تخش المنون والقوم هم القوم لم يتغيروا ولم يستبدل بهم.